أن “التوكل”، و”الإيمان بالقدر”، و”مشيئة الله”، و”حسن الظن”، و”اليقين”، ليست مجرد كلمات بلا غاية تعلّمنا عنها في درس الإسلامية، بل هي من جواهر قلب الإسلام التي يجب أن نحث الطبيب المسلم على العمل بها وتذكير المريض بها.
ما هو دور الطبيب المسلم؟
دور الطبيب هو الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية، وليس إطالة العمر أو دفع الموت، بل إنقاذ الأجساد وتقليل المعاناة الجسدية التي تسببها الأمراض والحوادث. الطبيب ليس ساحرًا أو رجلًا خارقًا، فهو لا يُحيي ولا يُميت، ولا يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا إلا بما كتبه الله للمريض على يد هذا الطبيب.
إن تعليم الطبيب العلوم الطبية والمهارات التشخيصية والتقنية الطبية الحديثة على نهجٍ يراعي القيم السامية التي وضعها الإسلام يعني أننا سنتمكن من إنشاء رعاية طبية كفوءة ورحيمة ونبيلة. نحن بحاجة ماسة لمثل هذا النوع من الرعاية، وخصوصًا في هذا الوقت الذي تزايدت فيه الأخطاء الطبية وضعفت الثقة بين المرضى والأطباء. أصبح المريض يفضل أن يصارع المرض في منزله وأن يموت بسلام بدلًا من أن يزور طبيبًا يزيد من معاناته أو يُحمّل أهله نفقات مالية لا طائل منها دون أن يحصل على منفعة حقيقية أو معاملة إنسانية رحيمة.
ما هي الأخلاقيات الطبية في الإسلام؟
الخلق هو صفة تُشتق من الفعل، وقد تكون الصفة محمودة أو مذمومة، وهذا يعتمد على الفعل نفسه. فخلق “الأمين” من صيانة الأمانة، وخلق “الكذّاب” من فعل الكذب.
1. الصّدق والأمانة المهنية:
الصّدقُ يتمثل في الصراحة مع المريض وإبلاغه بحالته الصحية بوضوح وشفافية دون تضليل. أما الأمانة المهنية فهي أداء العمل الطبي على أفضل صورة، وحفظ أسرار المريض ومعلوماته الخاصة، والامتناع عن تزوير التقارير الطبية أو الشهادات.
- الدليل الشرعي: قال تعالى: “وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ” (البقرة: 283).
2. الرحمة والإحسان:
أنَّ لُبّ مهنة الطب هو الرحمة بالمرضى، والتعامل برفق وعطف معهم، خاصة مع كبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. أما الإحسان فهو تقديم أفضل ما يمكن للطبيب أن يقدمهُ من علاجٍ ورعايةٍ.
- الدليل الشرعي: قال ﷺ: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (رواه الترمذي).
3. العدل والمساواة:
- العدل: يعني إعطاء كلَّ ذي حقٍ حقه وفقًا لما يستحقه، بحيث يأخذ كل فرد نصيبه بما يتناسب مع ظروفه واحتياجاته.
- المساواة: تعني أن يُمنح الجميع نفس الشيء أو المعاملة نفسها دون النظر إلى الاختلافات أو الظروف الفردية.
مثالان تطبيقيان:
- العدل: توفير العلاجات حسب الأحقية والأولوية، كأن يعطى المريض الأكثر خطورة العلاج أولًا.
- المساواة: توفير اللقاحات لجميع الأطفال دون تفرقة، بغض النظر عن ظروفهم.
- الدليل الشرعي: قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل: 90).
4. التواضع:
التواضع هو وضع النفس دون موضعها، وإن كانت مستحقة لذلك الموضع. على الطبيب أن يكون أكثر وعيًا لتقدير ذاته؛ أهو نابع من فخره أم من غروره؟
أن التواضع مع المرضى يُسّهلُ على الطبيب التواصل معهم، ويكسّبهُ ثقتهم ليحصل منهم على المعلومات التي تنفعه في صنع القرار الطبي السليم.
5. الصبر:
الصبر هو قدرة الإنسان على تحمل المشاق والشدائد، وضبط النفس عند مواجهة المصاعب أو الأحداث المؤلمة، مع الثبات على الحق. المجال الطبي مليء بالتحديات التي تتطلب تحمّل الضغوط النفسية والجسدية.
6. الحياء:
الحياء هو انقباض النفس عن فعل ما يُستقبح أو يُستنكر، سواءً أمام الناس أو أمام الله عزّ وجلّ. سُميّ الحياءُ بهذا الاسم لأنه دليل على حياة القلب ووجود الضمير.
- التطبيق الطبي:
- الحفاظ على خصوصية المريض وعدم إفشاء أسراره.
- التعامل بطريقة تحفظ كرامة المريض.
7. الاستقامة:
الاستقامة تعني الالتزام بمبادئ المهنة وأخلاقياتها، والحرص على أداء الواجب الطبي وفقًا للحق والعدل، دون تحيز أو تقصير.
علاقة الأخلاقيات السيئة بالأخطاء الطبية
إهمال الالتزام بالأخلاقيات الطبية قد يتسبب في نتائج كارثية. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الأخطاء الطبية من الأسباب الرئيسية للوفيات عالميًا.
- غياب الأمانة: قد يؤدي إلى إعطاء علاج خاطئ.
- انعدام الرحمة: يهمل راحة المريض النفسية والجسدية.
- ضعف التواصل: يزيد من التوتر بين المريض والطبيب.
أهمية العودة إلى الأخلاقيات الطبية الإسلامية
إحياء الأخلاقيات الطبية الإسلامية في مؤسساتنا الصحية كفيل ببناء منظومة صحية أكثر عدلًا ورحمة.
رسالة أمل
في عالم يعج بالتحديات الطبية والأخلاقية، يظل الإسلام نورًا هاديًا يوازن بين التقنية العلمية والرحمة الإنسانية. بتطبيق الأخلاقيات الطبية الإسلامية، سنشهد نظامًا صحيًا يعيد للطبيب دوره كراعي للإنسانية، وللمريض حقه في تلقي رعاية تحفظ كرامته وصحته.
“معًا، نعيد بناء الثقة بين المريض والطبيب، لأن الطب أمانة والرحمة هي أساس النجاح.”