هناك العديد من الدول التي عانت مثلما عانينا، ولكنهم نفضوا عنهم غبار الحزن وانتفضوا لحاضر مشرق ومستقبل مزدهر.
رواندا: من مأساة الإبادة إلى نموذجٍ صحي قوي
تعرض سكان رواندا للإبادة الجماعية في عام 1994، والتي نتج عنها خسائر فادحة في الأرواح، راح ضحيتها حوالي مليون إنسان فقدوا حياتهم في مئة يوم لا غير. خلفت تلك الكارثة وراءها نقصًا حادًا في الكوادر الطبية، وتدميرًا للمستشفيات، وانتشارًا للأمراض المعدية مثل الملاريا والسل وغيرها من الأمراض التي تفشت بسبب غياب برامج الرعاية الصحية الوقائية. كما ارتفعت نسبة وفيات الأمهات والأطفال في تلك الفترة أيضًا بسبب غياب الرعاية الصحية الأولية.
كيف نهضت رواندا من فاجعتها؟
أنشأت رواندا برامج “العاملين الصحيين المجتمعيين”، حيث تم تدريب آلاف الأشخاص لتقديم خدمات صحية أساسية للمجتمعات الريفية. وعملت الحكومة بجهود مكثفة لإطلاق نظام التأمين الصحي “Mutuelles de Santé”، الذي جعل الخدمات الصحية ميسورة التكلفة لجميع السكان. عملت رواندا على مكافحة الأمراض المعدية من خلال توفير اللقاحات والعلاجات بأسعار منخفضة، بالتعاون مع المنظمات الدولية. وأثمرت هذه الجهود عن انخفاض نسبة وفيات الأمهات بحدود 60%، وزادت معدلات التلقيح إلى أكثر من 90%، وصارت رواندا نموذجًا في إفريقيا لتحسين الأنظمة الصحية.
اليابان: من دمار الحرب إلى أحد أقوى الأنظمة الصحية في العالم
كانت اليابان في حالة دمار شامل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تدمرت البنية التحتية الصحية بما فيها العيادات والمستشفيات.
عانى النظام الصحي من نقص حاد في الأطباء والممرضين، بسبب الخسائر البشرية الكبيرة خلال الحرب. أما الأمراض المعدية مثل السل والملاريا فقد انتشرت بكثرة بسبب الفقر وسوء التغذية وغياب برامج الصحة العامة. ولم تكن الرعاية الصحية متاحة لعدد كبير من السكان، واختفى التأمين بشكل شبه تام.
نهضة الإصلاح الشامل
في عام 1961، تبنت اليابان نظام تأمين صحي شامل يغطي النفقات الصحية لجميع المواطنين، وأتاح ذلك الحصول على الخدمات الصحية بأسعار معقولة. كما عملت اليابان على تكثيف جهودها في حملات التطعيم الوطنية من أجل تحسين الصحة العامة. جعلت اليابان الخدمات الصحية متوفرة في كل مكان، حيث بنت مستشفيات وعيادات وقامت بتوسيع الجامعات الطبية لتدريب المزيد من الأطباء والممرضين.
واليوم، صارت اليابان واحدة من الدول ذات أعلى متوسطات العمر المتوقع بحوالي 84 عامًا وأدنى معدلات وفيات الأطفال، مع نظام صحي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة والوقاية.
ألمانيا: من أنقاض الحرب العالمية الثانية إلى طليعة الدول المتقدمة
يبدو أن الحرب العالمية الثانية قد نالت بتأثيرها المدمر من العديد من البلدان. فكما دُمرت الأبنية وأُزهقت الأرواح في اليابان، كان الأمر ذاته قد حدث مع ألمانيا. أضف إلى ذلك الانقسامات الداخلية، حيث كانت البلاد منقسمة بين ألمانيا الشرقية والغربية، مما أدى إلى تفاوت كبير في تقديم الرعاية الصحية بين المناطق.
نهضة الشعب وحكومته للإصلاح
بدأت الحكومة الألمانية بإعادة إعمار البلاد والقطاع الصحي بأكمله. وبدأت الإصلاحات من نظام التعليم الطبي إلى النظام الصحي، لتصبح ألمانيا اليوم من الدول الرائدة في تقديم الرعاية الصحية عالية الجودة، مع تكنولوجيا طبية متقدمة ومتوسط عمر متوقع مرتفع بحدود 81 عامًا.
خلاصة الكلام
لسنا الوحيدين الذين عانوا من حروب وغزوات على هذه الأرض، لا في الماضي ولا في الحاضر. نحن لا نستطيع أن نستمر بلعب دور الضحية أو نستمر بالتصديق بنظرية “المؤامرة”، بغض النظر عن مدى صحتها. كذلك لا نستطيع الاستمرار في لوم البلدان الأخرى على ما يحدث لنا، وإن كانوا فعلًا ملامين ومسؤولين عما عشناه في ماضينا والنقطة التي نقف عندها اليوم في حاضرنا. يجب أن ندرك ما أدركته كل الشعوب التي تعرضت للنكبات والحروب من قبلنا وصارت اليوم في طليعة البلدان المتقدمة. نحن الوحيدون المسؤولون عن بناء مستقبلنا وتعمير وطننا. ما دامت هناك شعوب أخرى قد مرت بما مررنا به واجتازت المحن وازدهرت، فنحن أيضًا نستطيع أن نزدهر مثلما ازدهروا.