التوتر (Stress) غالبًا ما يُنظر إليه على أنه عدو للصحة والسعادة، حيث يرتبط بمشكلات عديدة مثل القلق، الاكتئاب، وأمراض القلب. ومع ذلك، أثبتت دراسة رائدة أجراها الدكتور هوارد إس. فريدمان، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا، أن هناك جانبًا إيجابيًا لهذا التوتر يمكن أن يساعد في تحسين الصحة وإطالة العمر. فوفقًا لبحثه، فإن التوتر المعتدل أو الإيجابي يمكن أن يكون محفزًا قويًا للإنجاز والرفاهية.
التوتر الإيجابي مقابل التوتر المزمن
التوتر الإيجابي، المعروف علميًا بـ Eustress، هو نوع من التوتر الذي ينشأ نتيجة التحديات التي تحفز الأشخاص على العمل بجدية وتحقيق أهدافهم. هذا النوع من التوتر يساعد على تحسين التركيز وتنشيط القدرات العقلية والجسدية. على الجانب الآخر، يُعد التوتر المزمن مشكلة صحية خطيرة تنشأ بسبب التعرض المستمر للضغوط دون الحصول على فترات راحة كافية. يؤدي التوتر المزمن إلى آثار سلبية تشمل الإرهاق، ضعف الجهاز المناعي، وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب.
في دراسته، أظهر الدكتور فريدمان أن الأفراد الذين تعرضوا لمستويات معتدلة من التوتر عاشوا لفترات أطول مقارنة بأولئك الذين عاشوا حياة خالية من التحديات. وأوضح أن التوتر الإيجابي يشجع على تبني عادات صحية، مثل ممارسة الرياضة، تناول الطعام الصحي، والنوم الكافي. من ناحية أخرى، يميل الأشخاص الذين يعيشون حياة هادئة تمامًا إلى تطوير أنماط حياة أقل نشاطًا، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بقلة الحركة.
تأثير التوتر الإيجابي على الصحة والسلوك
التوتر الإيجابي يعمل كحافز طبيعي للجسم، حيث يحفز إفراز هرمونات مثل الأدرينالين (Adrenaline) والكورتيزول (Cortisol). هذه الهرمونات تساهم في تحسين التركيز، رفع مستويات النشاط، وتحفيز الجهاز المناعي لمواجهة التحديات. في حين أن التعرض المستمر لمستويات مرتفعة من الكورتيزول يمكن أن يكون ضارًا، إلا أن الجرعات الصغيرة الناتجة عن التوتر الإيجابي تساعد الجسم على الاستجابة بكفاءة للتحديات اليومية.
من خلال دراسته، أشار الدكتور فريدمان إلى أن الأفراد الذين يواجهون التحديات بنجاح ويضعون قلوبهم وأرواحهم في عملهم يعيشون حياة أكثر صحة وسعادة. هذا النوع من التوتر يشجع على تحسين العادات اليومية، مثل تقليل استهلاك المنبهات والتدخين، مما يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
عواقب التوتر المزمن
رغم الفوائد الكبيرة للتوتر الإيجابي، إلا أن التعرض للتوتر المزمن يمكن أن يكون مدمرًا للصحة. عند مواجهة التوتر المستمر، يزداد إفراز الكورتيزول بشكل مفرط، مما يضعف الجهاز المناعي ويؤدي إلى اضطرابات في النوم والذاكرة. التوتر المزمن يسبب أيضًا زيادة في ضغط الدم، مما يرفع من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. علاوة على ذلك، يرتبط التوتر المزمن بالاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، ما ينعكس سلبًا على جودة الحياة.
كيفية الاستفادة من التوتر الإيجابي
للاستفادة من التوتر الإيجابي، يجب تعلم كيفية تحويل التحديات اليومية إلى فرص للنمو. تطوير عادات صحية يمكن أن يساعد على تحقيق هذا التوازن. من أهم هذه العادات ممارسة الرياضة بانتظام، حيث تعمل على تقليل مستويات الكورتيزول الزائدة وتحسين الحالة المزاجية. كما أن تبني نظام غذائي صحي غني بالفواكه والخضروات يزود الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة لدعمه خلال أوقات التوتر. النوم الجيد يلعب دورًا حاسمًا في مساعدة الجسم على التعافي واستعادة طاقته.
إلى جانب ذلك، يجب تحديد مصادر التوتر وتحليلها لفهم كيفية تأثيرها على حياتنا اليومية. عند التعامل مع التوتر بإيجابية، يمكن تحويله إلى دافع للإنجاز بدلاً من كونه عبئًا يثقل كاهلنا.
رسالة أمل من دراسة الدكتور فريدمان
التوتر ليس عدوًا مطلقًا، بل يمكن أن يكون حليفًا قويًا إذا أُحسن التعامل معه. دراسة الدكتور هوارد إس. فريدمان تقدم دليلًا واضحًا على أن التوتر المعتدل يمكن أن يكون مفتاحًا لحياة أطول وأكثر صحة. التحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية هي فرص للنمو والتطور الشخصي، إذا تعاملنا معها بمرونة ووعي. التوازن بين النشاط والاسترخاء هو السبيل لتحويل التوتر إلى قوة إيجابية تدفعنا نحو النجاح.