كان النظام الصحي العراقي يوماً نموذجاً يُحتذى به في الشرق الأوسط، بخدماته المتطورة وكوادره المؤهلة. لكن سلسلة من الأحداث التاريخية المتلاحقة أدت إلى تدهوره بشكل كبير، تاركةً أثراً عميقاً على جودة الرعاية الصحية في البلاد. هذا المقال يستعرض رحلة التدهور التي مر بها النظام الصحي العراقي، من فترات الحروب إلى الأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة.
البداية: الحرب العراقية الإيرانية ،حرب الخليج الأولى (1980-1988)
خلال هذه الفترة، بدأ النظام الصحي يعاني من أولى ضرباته:
- تحول الموارد إلى المجهود الحربي، مما أدى إلى خفض التمويل المخصص للقطاع الصحي.
- تدمير المستشفيات القريبة من مناطق الصراع.
- نقص الأدوية والمستلزمات الطبية نتيجة القيود المفروضة على الواردات.
النتيجة: انخفاض جودة الخدمات الصحية وزيادة العبء على الكوادر الطبية.
ضربة قاسية: حرب الخليج الثانية (1990-1991)
مع بداية التسعينيات، تعرض النظام الصحي لضربة كبرى:
- دُمرت البنية التحتية الصحية نتيجة القصف العنيف خلال الحرب.
- فرض العقوبات الاقتصادية أدى إلى نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية الأساسية.
- انقطاع الإمدادات الطبية بسبب الحصار الدولي.
النتيجة: انهيار شبه كامل للنظام الصحي، مع تزايد معدلات الأمراض والوفيات.
العقوبات الاقتصادية (1991-2003): سنوات الظلام
كانت العقوبات الاقتصادية الأطول والأكثر تأثيراً على النظام الصحي:
- انخفاض تمويل الصحة بشكل حاد، ما أدى إلى نقص في المستلزمات الأساسية.
- هجرة الكوادر الطبية بحثاً عن ظروف عمل أفضل.
- انتشار سوء التغذية والأمراض المعدية بين السكان.
النتيجة: ارتفاع معدلات وفيات الأطفال وزيادة الأمراض التي كانت تحت السيطرة سابقاً.
الغزو الأمريكي للعراق،حرب الخليج الثالثة (2003): بداية الانهيار الكبير
- جاء الغزو الأمريكي ليكمل سلسلة التدهور:
- تدمير المرافق الصحية وسرقة المستشفيات.
- غياب الأمن مما أعاق جهود إعادة الإعمار.
- زيادة هجرة الأطباء بسبب الظروف غير المستقرة.
النتيجة: ضعف واضح في قدرة النظام الصحي على تلبية احتياجات المواطنين.
النزاعات المسلحة وسيطرة داعش (2014-2017)
أدت سيطرة داعش والنزاعات المسلحة إلى أزمة غير مسبوقة:
- تدمير شبه كامل للمرافق الصحية في المناطق المتضررة.
- نزوح آلاف السكان وزيادة الضغط على المستشفيات في المناطق الآمنة.
- انتشار الأمراض بسبب الظروف الصحية المتردية للنازحين.
النتيجة: انهيار الخدمات الصحية في المناطق المتضررة وانتشار الأوبئة.
الوضع الحالي: تحديات مستمرة
على الرغم من انتهاء النزاعات المسلحة، لا يزال النظام الصحي العراقي يعاني:
- ضعف التمويل وغياب التخطيط الاستراتيجي لإعادة الإعمار.
- الاعتماد الكبير على استيراد الأدوية والتجهيزات الطبية.
- تدني ثقة المواطنين بالنظام الصحي الحكومي.
النتيجة: نظام صحي هش يحتاج إلى إصلاح جذري وشامل.
رسالة أمل
رغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل موجوداً. النظام الصحي العراقي يمتلك إرثاً عظيماً يمكن البناء عليه. بإرادة وطنية صادقة ودعم دولي، يمكن إعادة بناء نظام صحي يلبي تطلعات الشعب العراقي.